30.01.2024
من الأوقاف التي اشتهرت عند العرب قبل الإسلام، الوقف على الكعبة المشرفة، بكسوتها وعمارتها كلما تهدمت، وأول من كسا الكعبة، ووقف عليها أسعد أبو كريب ملك حمير.
وكان أول وقف في الإسلام هو مسجد قباء الذي أسسه النبي ﷺ حين قدومه إلى المدينة مهاجراً. ثم المسجد النبوي الذي بناه ﷺ بالمدينة بعد أن استقر به المقام
وأول وقف خيري عرف في الإسلام هو وقف سبع بساتين بالمدينة، كانت لرجل يهودي اسمه مخيريق، أوصى بها إلى النبي ﷺ حين عزم على القتال مع المسلمين في غزوة أحد، قال في وصيته: "إن أصبت ـ أي قتلت، فأموالي لمحمد ـ يضعها حيث أراه الله، فقتل، وحاز النبي ﷺ تلك البساتين السبعة، فتصدق بها، أي حبسها.
أوقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل هو ثاني وقف في الإسلام، ففي الحديث أنه أصاب أرضاً بخيبر، فجاء إلى النبي ﷺ وقال: يا رسول الله: أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس منه، فبم تأمرني؟ فقال: «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها». فتصدق بها عمر على ألا تباع ولا توهب ولا تورث، وتكون (أي منافعها وثمارها) في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل.
واشترى عثمان بن عفان بئر رومة وأوقفها لعامة المسلمين، وتصدق علي بن أبي طالب بينبع ووادي القرى والأذينة وراعة في سبيل الله .
وفي العصر الأموي حدث تطور كبير في إدارة الأوقاف، فبعد أن كان الواقفون يقومون بأنفسهم على أوقافهم ويشرفون على رعايتها وإدارتها، قامت الدولة الأموية بإنشاء هيئات خاصة للإشراف عليها، وأحدث ديوان مستقل لتسجيلها.
فقد كان الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك أول من اتخذ المستشفيات للمرضى، وبنى الجامع الأموي وأمر بتسهيل الثنايا وحفر الآبار الموقوفة، واهتم خلفاء بني أمية ببناء الجسور والقناطر وجعلوا لها أوقافاً، فقد أمر عمر بن عبد العزيز ببناء قنطرة في قرطبة، كما اهتم الأمويون ببناء المقاييس على الأنهار الجارية، ومن أشهرها مقياس حلوان في مصر الذي بناه عبد العزيز بن مروان في خلافة أخيه عبد الملك بن مروان.
وفي عهد العباسيين أصبحت للأوقاف إدارة خاصة مستقلة عن القضاء، يقوم عليها رئيس يسمى «صدر الوقوف» وواكب هذا التطور الإداري جهد علمي مفيد، لضبط أحكام الوقف وطرق التصرف فيه ولحماية أملاكه من الضياع، فخصه الفقهاء بمؤلفات خاصة، وأفردوا له فصولاً واسعة في مدونات الفقــه الكبرى، وهذا التطور والتوسع في العناية بالأوقاف أدى إلى قيام الوقف بدور كبير في التنمية الاجتماعية على مر التاريخ الإسلامي.
وفي الدولة العباسية فقد اهتمت مؤسسة الخلافة بالوقف الصحي اهتماماً بالغاً، فانتشرت المستشفيات واستقدم الخلفاء كبار الأطباء وقاموا بشراء كتب كبار علماء الطب ووقفها في المستشفيات العامة، كما اهتموا بإنشاء الأوقاف الدينية والخيرية والاجتماعية والاقتصادية، وكان للعلماء ورجال الأعمال دور كبير في المساهمة في الأوقاف العامة والخاصة، ومن الأمثلة على ذلك الإمام الواعظ عبد الملك بن محمد الخركوشي النيسابوري الذي بنى مدرسة وداراً للمرضى، ووقف الأوقاف، وكانت له خزانة كتب موقوفة.
ومن أشهر أوقاف فى الدولة الفاطمية جامع القاهرة بعدما أتم جوهر الصقلي فتح مصر سنة 969م واشتهر بعد ذلك بالجامع الأزهر الشريف ثم جامعة الأزهر .
ولم تكن الدولة الزنكية والأيوبية بمنأى عن عالم الأوقاف الإسلامية، بل قامت هاتان الدولتان بأدوار أساسية في تنظيم شؤون المجتمع وإصلاح حال الرعية، فشهدت فترتهما انتشاراً واسعاً لأنواع من الأوقاف كانت قليلة مثل الوقف على مدارس وكتاتيب الأيتام، وقد وصف ابن جبير هذه الأوقاف فقال: "وللأيتام من الصبيان محضرة كبيرة بالبلد لها وقف كبير، يأخذ منه المعلم لهم ما يقوم به وينفق منه على الصبيان مايقوم بهم وبكسوتهم، وهذا -أيضاً- من أغرب ما يُحدَّث به من مفاخر هذه البلاد".
ويعتبر السلطان صلاح الدين الأيوبي من أشهر السلاطين الذين أحيوا سنة الوقف العلمي، فبنى مدرسة بالقاهرة وأنشأ المدرسة الصلاحية الوقفية العظيمة في القدس، وبعد صلاح الدين الأيوبي حرص أمراء الأيوبيين على إنشاء المدارس الموقوفة، فبنى الملك العادل مدرسته المشهورة (المدرسة العادلية في دمشق)، واهتم الأمير نور الدين محمود بإنشاء مستشفيات خيرية في كل المدن التابعة لدولته، ومن غريب الأوقاف وأجملها قصر الفقراء الذي عمَّره في ربوع دمشق نور الدين محمود زنكي.
الوقف في العصر العثماني
اعتنى سلاطين العثمانيين بالأوقاف بدرجة ملحوظة وخاصة عند نساء بني عثمان، وتوسعت مصارف ريع الوقف لتشمل كليات الطب والخدمات الطبية لمستشفيات قائمة، لمواكبة للتطور والتقدم العلمي في العصور الحديثة.
واهتموا ببناء المدارس والتدريب المهني و تقديم الأموال لليتامى والأرامل و رعاية الكبار والعاجزين و تأمين الأموال للغارمين المدينين وتأمين إرضاع الأطفال ورعاية الكبار العاجزين وتجهيز البنات للزواج وتأمين حاجيات المسافرين وتأمين العمل للعاطلين و تزويج الشباب الغير متمكن من تسديد نفقات لزواج وشق قنوات المياه و إنشاء القناطر و بناء سبل المياه داخل المدن والطرقات الخارجية و بناء الخانات والحمامات والطرق وحفر الآبار و تقديم الطعام لأبناء السبيل والمسافرين والفقراء والمساكين وإطعام الطيور .