لماذا تعتبر الصدقة الجارية من أفضل أنواع الصدقات في الإسلام

طفل رضيع نائم ملفوف ببطانية، مع امرأة منقبة وطفل آخر بين أنقاض مبانٍ مدمرة

لماذا تعتبر الصدقة الجارية من أفضل أنواع الصدقات في الإسلام

الصدقة الجارية هي منحة عظيمة شرعها الله عز وجل لعباده، وجعلها وسيلة دائمة لنيل الأجر والثواب الذي لا ينقطع، إنها صورة رائعة من صور العطاء التي يستمر أثرها حتى بعد رحيل الإنسان عن الدنيا، لتنمو وتثمر لتكون شاهدة على إخلاصه وحرصه على الخير.

لقد أثنى النبي ﷺ على هذا النوع من الصدقات وجعلها من أفضل أنواع الصدقات، حيث قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (رواه مسلم).

ما هو فضل الصدقة الجارية ولماذا تُعد من أفضل صور العطاء في الإسلام، وكيف تحقق للمسلم الثواب المستدام، وتنشر الخير في المجتمع؟


ماهي الصدقة الجارية وتأثيرها المستمر؟

الصدقة الجارية هي الصدقة التي يستمر نفعها وأجرها للمسلم حتى بعد وفاته، حيث تبقى منفعتها قائمة بعد تقديمها لأمدٍ طويل، هذه الصدقة تحقق تأثيرًا مستمرًا لأنها تساهم في تلبية احتياجات حيوية للمجتمع، مما يعزز التكافل الاجتماعي ويخفف معاناة المحتاجين، من أمثلتها بناء المساجد، حفر الآبار، إنشاء المدارس والمستشفيات، أو أي عمل خير يعود بالنفع الدائم على الأفراد والمجتمعات.

وتختلف الصدقة الجارية عن الصدقة؛ أن الأولى أثرها وأجرها مستمر وطويل، في حين أن الثانية وبرغم ثوابها الكبير إلا أنها غير دائمة!

الصدقة الجارية تمثل استثمارًا في الآخرة، يُضاعف الأجر للمسلم، ويجعل حياته عامرة بالخير حتى بعد رحيله، إنها تعكس قيم الإيثار والمحبة في الإسلام، وتجسد روح التضامن بين المسلمين، مما يجعلها ركنًا مهمًا في بناء مجتمع متماسك ومتراحم.


أمثلة على الصدقة الجارية ذات الأثر الطويل

فيما يلي نوضح أشهر أمثلة على الصدقة الجارية ذات الأثر الطويل ليعود النفع على المجتمع ويبادر الناس للمشاركة في الصدقات الجارية والتي هي أفضل أنواع الصدقات على الإطلاق.


سقي الماء:

من أحب الصدقات الجارية عند الله ورسوله، روي عن الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء) رواه البخاري.

تشمل صدقة سقي الماء حفر الآبار في المناطق التي تعاني من قلة المياه أو عدم توافرها، وإنه لعظيم الأجر والثواب في الدنيا والآخرة.


بناء المساجد:

عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من بنى مسجدا - قال بكير: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله – بنى الله له مثله في الجنة" رواه البخاري ومسلم.

ويتمثل في المشاركة في إنشاء مسجد أو ترميمه، أو توفير الأثاث أو الكتب الدينية للمساجد.


تعليم العلم النافع:

قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ...علم يُنتفع به.

هذا يدل على أن تعلم العلم النافع والعمل به من أفضل أنواع الصدقات.


إنشاء الوقف:

يُعد إنشاء الوقف أفضل مثال على وقف صدقة جارية التي يمتد أثرها ونفعها إلى الأبد، مثل

وقف الأراضي الزراعية أو الممتلكات لصالح مشاريع خيرية، أو تخصيص أرباح مشروع لدعم الأيتام أو الفقراء.


كفالة اليتيم:

من أفضل أنواع الصدقات الجارية وأحبها لله ورسوله، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في كفالة اليتيم: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ كَهَاتِيّن وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا).


بناء المستشفيات:

إن بناء المستشفيات أو المراكز الصحية، وتوفير الأجهزة الطبية أو الأدوية للمحتاجين، من الصدقات الجارية ذات الأثر العظيم الذي يُثاب عليه فاعله في الدنيا ويستمر أثره حتى بعد موته ليُجزى به في الآخرة.


دعم الفقراء والمحتاجين:

إطعام الطعام من صفات الأبرار كما قال عنها الله تعالى، وتوفير الدعم للفقراء والمحتاجين هو طوق النجاة للمسلم من عذاب النار، ويتمثل هذا الدعم في توفير مساكن دائمة أو مؤقتة للأسر المحتاجة، وتمويل مشاريع صغيرة تدر دخلًا على المحتاجين، كذلك المساهمة في برامج توزيع المواد الغذائية طويلة الأجل.

طلاب في فصل دراسي، أحدهم يركز على قراءة كتابه بينما يجلس الآخرون خلفه على مقاعد الدراسة

الصدقة الجارية كمصدر للأجر المستمر

الصدقة الجارية هي استثمار أخروي عظيم، ويتمثل فضل الصدقة الجارية في أنها تتيح للمسلم استمرار أجره وثوابه حتى بعد رحيله عن الدنيا، فهي عمل صالح يترك أثرًا دائمًا في حياة الناس، مما يجعل صاحبه ينال الأجر مع كل استفادة منهم.

سواء كان ذلك عبر بناء مسجد، حفر بئر، نشر العلم، أو أي صورة من صور الصدقات الجارية، فإنها تجعل حياة المسلم مليئة بالخير حتى بعد وفاته؛ إنها تعكس حرص الإسلام على تشجيع المسلم ليكون مصدرًا دائمًا للخير، فتظل أعماله شاهدة له في الدنيا، وأجرها يتضاعف في الآخرة بفضل الله ورحمته.


أهمية الصدقة الجارية في بناء المجتمعات

ربما تعتقد أن الصدقة الجارية هي عملٌ فردي يعود بالنفع على صاحبه فقط!

إنما هي هي ركيزة أساسية في بناء المجتمعات المسلمة على أسس من التكافل والتراحم، فمن خلال المشاريع المستدامة التي تحققها، مثل بناء المساجد والمدارس وحفر الآبار وتوفير الرعاية الصحية، تسهم الصدقة الجارية في تلبية احتياجات الناس الأساسية، وتعزز من جودة حياتهم.

كذلك فإن الصدقة الجارية تدعم بنية المجتمع الاقتصادية عبر توفير مصادر دائمة للدخل والتنمية، خاصةً في المناطق الفقيرة والنائية؛ هي وسيلة لتخفيف المعاناة وتعزيز العدالة الاجتماعية، مما يرسخ قيم الإسلام في التضامن بين أفراده.

إنها أداة لبناء مجتمعات قوية متماسكة، تجمع بين الاستقرار المادي والمعنوي، حيث يشارك الجميع في تقديم الخير ونشر البركة، فتتحقق أهداف الإسلام في نشر الرحمة والخير بين الناس كافة.


قصص الصدقة الجارية من حياة الصحابة

إذا ذُكرت الصدقة لابد من ذكر الصحابة رضوان الله عليهم وذكر قصصهم مع الصدقة الجارية، والتي تتجلى فيها عظمة أخلاقهم ورقي ونبل أهدافهم، وحتى نتخذهم قدوة حسنة في عمل الخير والتصدق بكل غالٍ ونفيس لننال بذلك محبة الله ورسوله.

عثمان بن عفان رضي الله عنه وشراء بئر رومة:

كان المسلمون في المدينة بحاجة ماسة إلى ماءٍ عذب، ولم يكن متاحًا لهم إلا بئر رومة، التي كان يملكها رجل يهودي ويبيع ماؤها بثمن باهظ، عرض عثمان بن عفان رضي الله عنه على اليهودي شراء البئر، فوافق بشرط أن يكون الشراء لنصف البئر، بحيث يتناوبان استخدامها يومًا بيوم؛ وهب عثمان حصته للمسلمين ليشربوا منها مجانًا، ثم عاد واشترى النصف الآخر ووقفها بالكامل للمسلمين.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووقف أرض في خيبر:

مثال آخر على وقف صدقة جارية، حين حصل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أرض ثمينة في خيبر، فأتى النبي ﷺ وقال: "يا رسول الله، إني أصبتُ مالًا بخيبر لم أصب مالًا قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟" فقال النبي ﷺ: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها" (رواه البخاري ومسلم). فحبس عمر أصل الأرض وخصص ريعها للفقراء والمساكين وأعمال الخير، وكان ذلك أول وقف في الإسلام.

أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه وحديقة بيرحاء:

كان أبو طلحة الأنصاري يملك بستانًا عظيمًا يسمى "بيرحاء"، وهو من أحب أمواله إليه، وعندما نزل قوله تعالى: "لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" (آل عمران: 92)

جاء إلى النبي ﷺ وقال: "يا رسول الله، إن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله." (رواه البخاري). فوزعها النبي ﷺ في وجوه الخير، وهو مثال رائع على تبرع صدقة جارية.

عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ووقف نخيله:

كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شديد الحرص على الإنفاق في سبيل الله، فكان يوقف الكثير من أمواله ونخيله لفقراء المدينة، من أبرز أعماله وقفه نخيلًا كان قد حصل عليه وخصص ريعه للفقراء والمرضى والأيتام، مما جعله قدوة في الصدقة الجارية المستدامة.

يد تمسك بساعة صفراء، مما يرمز إلى التبرع بالوقت كنوع من الصدقة، بتصميم فني بسيط وخلفية محايدة


أفضل وقت لتقديم الصدقة

الإسلام يحث على تقديم الصدقة في كل وقت وحين، فهي عمل مبارك يُقرب العبد من ربه، ولكن هناك أوقاتًا تُعتبر أفضل لتقديمها بسبب عظيم أثرها وكبير أجرها، ومن هذه الأوقات:

في أوقات الشدة والحاجة: الصدقة في أوقات الأزمات، مثل الكوارث الطبيعية، الحروب، أو المجاعات، لها أثر عظيم في رفع المعاناة عن المحتاجين، وتعد من أعظم صور الإحسان.

عند استقبال الأيام المباركة: مثل شهر رمضان المبارك، الذي تُضاعف فيه الحسنات، والأيام العشر من ذي الحجة، ويوم الجمعة، حيث تُقبل الأعمال ويعظم أجرها.

حينما يكون الإنسان في صحة وقوة: قال النبي ﷺ: "أفضل الصدقة أن تَصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى..." (رواه البخاري ومسلم).

لحظة الحاجة والضيق: إذا أتى محتاج يسأل العون، فإن تلبيته فورًا تُعد من أعظم القربات، قال النبي ﷺ: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله..." (رواه البخاري).



الخاتمة

"وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍۢ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِ" (البقرة: 272)

إن العطاء في سبيل الله هو شرف للمسلم، وفرصة لتحقيق البركة في الدنيا والآخرة، فلنبادر جميعًا إلى جعل الصدقة عادة مستمرة في حياتنا، ندعوكم للمساهمة بما تستطيعون من مال أو وقت، لتكونوا سببًا في إدخال الفرح والراحة على المحتاجين، لا تدعوا الفرصة تفوتكم في الحصول على أجر عظيم، فكل لحظة هي فرصة للتغيير، فابدأوا اليوم، وكونوا جزءًا من هذا الخير.

أوقِف سهمًا
عودة للأخبار