لم يعرف التاريخ أُمَّةً اهتمت بالمعرفة وتدوينها كما اهتمَّ المسلمون في عصور نهضتهم، فكانت أوقاف الكتب وإنشاء المكتبات لا تنفصل عن أوقاف المدارس كجزء أصيل من اهتمام المجتمع بالعلم والمعرفة، ومن ثَمَّ ازدهرت حركة التعلم والتدوين إلى الحدِّ الذي لا يمكن للمصادر التاريخية أن تنسى حدثًا كإحراق التتار للكتب كعلامة على هزيمة الحضارة.
ولأن النساء كن جزءًا فاعلًا في هذه الحركة الاجتماعية العظيمة، فإننا نجد في كتب التاريخ الكثير من النماذج النسائية التي أوقفت أموالها على الكتب والمكتبات خدمةً للعلم وطلابه وطمعًا في لأجر والثواب، فمنهن على سبيل المثال:
مؤنسة خاتون ابنة الملك العادل التي أنشأت المدرسة القطبية، وجعلت فيها درسًا للفقه الشافعي وآخر للفقه الحنفي.
خوند تتر بنت السلطان قلاوون التي بنت المدرسة الحجازية، وألحقت بها دارًا للكتب، ومكتبًا للأيتام، ومؤدبًا يتكفل بتعليمهم.
زينب بنت محمد علي باشا التي أوقفت على الأزهر أوقافًا عظيمة، ورتبت أجورًا لمدرسي الفقه على المذاهب الأربعة، كما أوقفت أوقافًا على أربعة عشر مسجدًا، منها المسجد الحسيني في القاهرة، وكذلك مسجدا السيدة نفيسة والسيدة زينب.
فاطمة بنت إسماعيل بن محمد بن علي خديوي مصر، ففي عام 1909 أوقفت 674 فدانًا على الجامعة المصرية، كما وهبتها قطعة أرض مساحتها ستة أفدنة، ومجوهرات تُقدَّر بـ(18000) جنيه.
ولا تنسى كتب التاريخ ذكر نساء أوقفن كتبهنَّ نفسها خدمةً للعلم وأهله، ومن هؤلاء النساء:
الجارية القيروانية «فضل» مولاة «أبي أيوب أحمد بن محمد» التي خطت المصحف الشريف بيدها وأوقفته على القُرَّاء في مسجد القيروان عام 295هـ/907م.
فاطمة حاضنة باديس التي أوقفت مجموعة من المؤلفات النفيسة على جامع «عقبة بن نافع» بالقيروان، في القرن الخامس الهجري.
سارة بنت الشيخ علي بن محمد بن عبد الوهاب، وهي من نساء القرن الثالث عشر الهجري، فقد أوقفت نسخة مزخرفة من الجزء الثالث من شرح صحيح مسلم «لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي».
نورة بنت الإمام فيصل بن تركي التي أوقفت عام 1283هـ/1866م نسخةً من كتاب «إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان» على طلبة العلم.
وهناك الواقفات للأملاك المختلفة، بوقف ريعها للإنفاق على المدارس وطلبة العلم، طلبًا للأجر والمثوبة، ومنهن على سبيل المثال:
وغيرهن من النساء اللاتي أسهمن بدور مثمر بأوقافهنَّ في مناحي الحياة الاجتماعية المختلفة.