الفرق بين الصدقة والزكاة والوقف في الإسلام
إن الإسلام دين البناء والإحسان، وضع نظامًا متكاملاً يربط بين العبادة والعمل الصالح، وبين الإيمان والعطاء، ومن أعظم صور هذا العطاء التي شرعها الإسلام هي الصدقة والزكاة والوقف.
فكلًا منها يهدف إلى تحقيق التكافل الاجتماعي، لكنه يتميز بأحكامه المختلفة وأهدافه وآثاره على المسلم، وقد يتساءل البعض: ما الفرق بين الوقف والصدقة؟ وكيف تتمايز هذه الأنواع الثلاثة في الإسلام رغم تشابهها في جوهرها؟!
تعرف على الفرق بين الصدقة والزكاة والوقف في الإسلام بالإضافة إلى أحكامها وغاياتها في الشريعة الإسلامية، لنصل معاً إلى فهم أعمق للدور الذي تلعبه هذه التشريعات في بناء مجتمع قوي ومتماسك.
ما هي الزكاة؟
قبل التطرق إلى ذكر ما الفرق بين الوقف والصدقة والزكاة، نوضح أولًا تعريف الزكاة..
وهي قدر المال الذي فرضه الله على المسلمين الأغنياء، وأوجب عليهم إخراجه سنويًا لتطهير أموالهم وتزكية نفوسهم، ولتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام؛ يقول الله تعالى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا" التوبة (103).
والزكاة تعني في اللغة: النماء والطهارة، وفي الاصطلاح الشرعي: مقدار محدد من المال يُخرج من مال المسلم عند بلوغه نصابًا معينًا، وتُعطى للفقراء والمحتاجين وتعزز روح التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
شروط الزكاة أهميتها
ما هي شروط الزكاة؟ حتى تكون الزكاة واجبة، هناك شروط أساسية يجب توفرها:
الإسلام الزكاة لا تُفرض إلا على المسلم، فهي عبادة مالية لا تقبل من غير المسلمين.
الحرية لا تجب الزكاة على العبد لأنه لا يملك مالاً مستقلاً.
الملكية التامة يجب أن يكون المال مملوكًا ملكية كاملة لصاحبه، بحيث يكون له حق التصرف فيه.
بلوغ النصاب النصاب هو الحد الأدنى الذي يجب أن يملكه المسلم ليكون مطالبًا بإخراج الزكاة، ويختلف النصاب باختلاف نوع المال، فمثلًا: النقود والذهب والفضّة: النصاب هو ما يعادل 85 غرامًا من الذهب الخالص، ويبلغ نِصاب الفضّة 595 غرامًا من الفضّة الخالصة. المال: يخرج 2.5 % من قيمة المال.
حولان الحول يجب أن يمر عام هجري كامل على المال منذ بلوغه النصاب، إلا في الزروع والثمار التي تزكى عند الحصاد.
خلو المال من الدَين إذا كان على المال دَين يستغرق النصاب أو يقلله عن النصاب، فلا زكاة فيه.
تكمن أهمية الزكاة في أنها تطهر النفس فالزكاة تطهر القلب من البخل والجشع، وتزرع في المسلم حب العطاء، قال الله تعالى: "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" (المعارج: 24-25).
أيضًا قال رسول الله ﷺ: "ما نقص مالٌ من صدقة" (رواه مسلم)، الزكاة تزيد البركة في المال وتنميه.
الفرق بين الصدقة والزكاة
الصدقة والزكاة هما من وسائل الإنفاق التي دعا إليها الإسلام لتحقيق التكافل الاجتماعي، إلا أنهما يختلفان في عدة جوانب من حيث التعريف، الحكم الشرعي، والمستحقين، وغيرها.. إليك مقارنة بين الزكاة والصدقة.
الصدقة
التعريف: هو المال الذي يُمنح تطوعًا بغرض التقرب إلى الله، دون أن يكون مفروضًا، ويشمل المال، الطعام، الملابس، أو حتى الكلمة الطيبة.
الحكم الشرعي: الصدقة مستحبة وليست واجبة، قال الله تعالى: "مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً" (البقرة: 245).
المستحقون: يمكن أن تُمنح لأي محتاج، مسلمًا كان أو غير مسلم.
وقت الأداء: يمكن إخراج الصدقة في أي وقت دون قيد أو شرط.
الزكاة
التعريف: هو مقدار المال الذي فرضه الله تعالى على المسلمين الأغنياء، ويتم توزيعه على مستحقين معينين حددتها الشريعة الإسلامية، وهي واجب ديني وركن من أركان الإسلام.
الحكم الشرعي: الزكاة واجبة، ومن تركها عمدًا مع القدرة يعد آثمًا، قال الله تعالى: "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ" (البقرة: 43).
المستحقون: تُصرف الزكاة في ثمانية مصارف حددها الله تعالى في قوله "إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْعَٰمِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ" (التوبة: 60).
وقت الأداء: يجب إخراجها عند حلول الحول (مرور سنة هجرية على المال)، باستثناء الزروع والثمار التي تُزكّى عند الحصاد.
فهم الوقف وأهميته في المجتمع
الوقف هو من أعظم صور البر والإحسان التي شُرعت في الإسلام، وهو حبس أصل المال أو الممتلكات وتُصرف منافعها على وجوه الخير.
يتميز الوقف بأنه مستمر الأثر، حيث يستفيد منه الأفراد والمجتمعات على مر الأجيال، مما يجعله استثمارًا طويل الأمد، فقد حث الإسلام على استدامة العمل الصالح، وجعل الوقف وسيلة لتعميم الأجر والثواب حتى بعد وفاة الإنسان، استنادًا لقول النبي ﷺ:
"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (رواه مسلم).
يُعد الوقف تجسيدًا للوفاء بنعم الله، وشكرًا له على فضله، فهو يجعل المال وسيلة لتحقيق مرضاة الله تعالى ونشر الخير في الأرض، تحقيقًا لقول الله عز وجل: "وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" (سبأ: 39).
وهو من الأعمال التي ترفع درجات المؤمن في الدنيا والآخرة، ويدل على عمق إيمان المسلم بفكرة البذل والتضحية في سبيل الله وابتغاء مرضاته.
لكن ما الفرق بين الوقف والصدقة الجارية
كثيرًا ما يتسائل البعض ما الفرق بين الوقف والصدقة؟
كلاهما من أعظم القربات التي تحقق النفع الدنيوي والأجر في الآخرة، ويُحث المسلم على المشاركة فيهما حسب استطاعته، يقول الله تعالى في وصف الأنصار رضي الله عنهم: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر: 9)
فالوقف هو صورة من صور الصدقة الجارية التي ينعكس فيها منهج استدامة الأجر والثواب الذي لا ينقطع بموت المتصدق، بمعنى أن كل وقف صدقة جارية والعكس ليس صحيح!
وبشكل عام فلا فرق بين الوقف والصدقة الجارية من حيث الأجر والثواب فكلاهما عمل مستمر وأجر لا ينقطع، وإنما الفرق بينهما في المصطلح، الوقف لا يكون وقفًا إلا إذا حقق الشرط وهو وجود أصل محبوس يُصرف عائده وله نفع مستمر؛ وماعدا ذلك من أعمال صالحة فهي صدقة جارية.
فئات المستفيدين من كل نوع من أنواع العطاء
الإسلام حرص على توجيه العطاء لأشخاص وفئات محددة لضمان تحقيق الأثر المرجو، كل نوع من أنواع العطاء يسهم في بناء مجتمع متكافل، ويحقق توازنًا اقتصاديًا واجتماعيًا يعكس روح الإسلام السمحة.
الزكاة موجهة لفئات محددة حصريًا بموجب النصوص الشرعية، قال الله تعالى " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ" (التوبة: 60).
الصدقة أوسع شمولًا، ويمكن أن تُصرف لأي محتاج أو مشروع نافع، مثل الفقراء والمساكين والمرضى والأيتام.
الوقف يتسم بالمرونة ويستفيد منه من يحدده الواقف ضمن شروط الشريعة الإسلامية، ومنها أنواع التبرعات الخيرية لبناء دور العبادة والمستشفيات والمدارس.
ثواب وأهمية كل نوع من أنواع العطاء في الإسلام
كل نوع من أنواع العطاء يُقرب المسلم من الله ويعزز الخير في المجتمع، مما يجعلها جميعًا من أرقى صور العبادة والعمل الصالح، وأهلُ العطاء لا يعرفون البخل والكراهية سواء كان زكاة، صدقة، أو وقفًا فله ثواب عظيم وأهمية بالغة.
أولاً: الزكاة طاعة لله وركن من أركان الإسلام وسببًا لدخول الجنة والنجاة من النار، ورد في الحديث: "من آتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته، مُثّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع..." (رواه البخاري).
ثانيًا: الصدقة مضاعفة الأجر، قال الله تعالى "مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ"
الوقاية من عذاب النار قال النبي ﷺ: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" (رواه البخاري).
ثالثًا: الوقف الوقف يحقق أجرًا مستمرًا للواقف طالما أن منفعته قائمة، وهو ثواب متجدد للأجيال القادمة قال النبي ﷺ: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية..." (رواه مسلم).
في الختام بعدما تعرفنا ما الفرق بين الوقف والصدقة وأنهما من أعظم صور العطاء في الإسلام، ولكلٍ منهما دورٌ خاص في نشر الخير، وتخفيف معاناة المحتاجين.
ندعوكم اليوم للمشاركة في هذه الأعمال العظيمة، سواء بتقديم صدقة أو بالمساهمة في مشاريع الوقف التي تسهم في بناء المجتمع ورفع مستوى الحياة، فلنكن يدًا واحدة في نشر الخير، فكل تبرع، مهما كان صغيرًا، له أثر عميق على الحياة.